الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
إن طبيعة الإسلام وهو منهج حياة كامل معد للتنفيذ في واقع الحياة، وهو حركة ضخمة في الضمائر المكنونة وفي أوضاع الحياة الظاهرة إن طبيعة الإسلام هذه لا تلائمها طبيعة الشعراء كما عرفتهم البشرية في الغالب لأن الشاعر يخلق حلمًا في حسه ويقنع به. فأما الإسلام فيريد تحقيق الحلم ويعمل على تحقيقه، ويحول المشاعر كلها لتحقق في عالم الواقع ذلك النموذج الرفيع.والإسلام يحب للناس أن يواجهوا حقائق الواقع ولا يهربوا منها إلى الخيال المهوّم. فإذا كانت هذه الحقائق لا تعجبهم، ولا تتفق مع منهجه الذي يأخذهم به، دفعهم إلى تغييرها، وتحقيق المنهج الذي يريد.ومن ثم لا تبقى في الطاقة البشرية بقية للأحلام المهوّمة الطائرة. فالإسلام يستغرق هذه الطاقة في تحقيق الأحلام الرفيعة، وفق منهجه الضخم العظيم.ومع هذا فالإسلام لا يحارب الشعر والفن لذاته كما قد يفهم من ظاهر الألفاظ. إنما يحارب المنهج الذي سار عليه الشعر والفن. منهج الأهواء والانفعالات التي لا ضابط لها؛ ومنهج الأحلام المهومة التي تشغل أصحابها عن تحقيقها. فأما حين تستقر الروح على منهج الإسلام، وتنضح بتأثراتها الإسلامية شعرًا وفنًا؛ وتعمل في الوقت ذاته على تحقيق هذه المشاعر النبيلة في دنيا الواقع؛ ولا تكتفي بخلق عوالم وهمية تعيش فيها، وتدع واقع الحياة كما هو مشوهًا متخلفًا قبيحًا!وأما حين يكون للروح منهج ثابت يهدف إلى غاية إسلامية، وحين تنظر إلى الدينا فتراها من زاوية الإسلام، في ضوء الإسلام، ثم تعبر عن هذا كله شعرًا وفنًا.فأما عند ذلك فالإسلام لا يكره الشعر ولا يحارب الفن، كما قد يفهم من ظاهر الألفاظ.ولقد وجه القرآن القلوب والعقول إلى بدائع هذا الكون، وإلى خفايا النفس البشرية. وهذه وتلك هي مادة الشعر والفن. وفي القرآن وقفات أمام بدائع الخلق والنفس لم يبلغ إليها شعر قط في الشفافية والنفاذ والاحتفال بتلك البدائع وذلك الجمال.ومن ثم يستثني القرآن الكريم من ذلك الوصف العام للشعراء: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا}.فهؤلاء ليسوا داخلين في ذلك الوصف العام. هؤلاء آمنوا فامتلأت قلوبهم بعقيدة، واستقامت حياتهم على منهج. وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل، ولم يكتفوا بالتصورات والأحلام.وانتصروا من بعد ما ظلموا فكان لهم كفاح ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا إلى نصرة الحق الذي اعتنقوه.ومن هؤلاء الشعراء الذين نافحوا عن العقيدة وصاحبها في إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك وعبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنهم من شعراء الأنصار، ومنهم عبد اللّه بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد كانا يهجوان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في جاهليتهما، فلما أسلما حسن إسلامهما ومدحا رسول اللّه ونافحا عن الإسلام.وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لحسان: «اهجهم- أو قال هاجهم- وجبريل معك» وعن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن اللّه عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل» رواه الإمام أحمد.والصور التي يتحقق بها الشعر الإسلامي والفن الإسلامي كثيرة غير هذه الصورة التي وجدت وفق مقتضياتها.وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها، ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام.وليس من الضروري أن يكون دفاعا ولا دفعا ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيدا له أو لأيام الإسلام ورجاله، ليس من الضروري أن يكون في هذه الموضوعات ليكون شعرا إسلاميا. وإن نظرة إلى سريان الليل وتنفس الصبح، ممزوجة بشعور المسلم الذي يربط هذه المشاهد باللّه في حسه لهي الشعر الإسلامي في صميمه. وإن لحظة إشراق واتصال باللّه، أو بهذا الوجود الذي أبدعه اللّه، لكفيلة أن تنشئ شعرا يرضاه الإسلام.ومفرق الطريق أن للإسلام تصورا خاصا للحياة كلها، وللعلاقات والروابط فيها. فأيما شعر نشأ من هذا التصور فهو الشعر الذي يرضاه الإسلام.وتختم السورة بهذا التهديد الخفي المجمل: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.السورة التي اشتملت على تصوير عناد المشركين ومكابرتهم، واستهتارهم بالوعيد واستعجالهم بالعذاب.كما اشتملت على مصارع المكذبين على مدار الرسالات والقرون.تنتهي بهذا التهديد المخيف. الذي يلخص موضوع السورة. وكأنه الإيقاع الأخير المرهوب يتمثل في صور شتى، يتمثلها الخيال ويتوقعها. وتزلزل كيان الظالمين زلزالا شديدا. اهـ.
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}.أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {الذي يراك حين تقوم} قال: للصلاة.وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {الذي يراك حين تقوم} قال: من فراشك أو من مجلسك.وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {الذي يراك حين تقوم} قال: أينما كنت.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير {الذي يراك حين تقوم} قال: في صلاتك {وتقلبك في الساجدين} قال: كما كانت تقلب الأنبياء قبلك.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} قال: قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه.وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {الذي يراك حين تقوم} قال: يراك قائمًا وقاعدًا وعلى حالاتك {وتقلبك في الساجدين} قال: قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه.وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {الذي يراك حين تقوم} قال: يراك قائمًا وقاعدًا وعلى حالاتك {وتقلبك في الساجدين} قال: في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجميع.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وتقلبك في الساجدين} قال: في المصلين.وأخرج الفريابي عن مجاهد، مثله.وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} يقول: قيامك، وركوعك، وسجودك.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وتقلبك في الساجدين} قال: يراك وأنت مع الساجدين تقوم وتقعد معهم.وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي والحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: {وتقلبك في الساجدين} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {وتقلبك في الساجدين} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رأى من خلفه كما يرى من بين يديه.وأخرج مالك وسعيد بن منصور والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم وإني لاراكم من وراء ظهري».وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: {وتقلبك في الساجدين} قال: من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيًا.وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي والحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد {وتقلبك في الساجدين} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه.وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وتقلبك في الساجدين} قال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبى أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتى بدت نواجده ثم قال «إني كنت في صلبه، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم، ولم يلتق أبواي قط على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبًا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي، وبالإِسلام هداني، وبين في التوراة والإِنجيل ذكري، وبين كل شيء من صفتي في شرق الأرض وغربها، وعلمني كتابه، ورقي بي في سمائه، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ووعدني أن يحبوني بالحوض، وأعطاني الكوثر. وأنا أول شافع، وأول مشفع، ثم أخرجني في خير قرون أمتي، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}.أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سعيد بن وهب قال: كنت عند عبد الله بن الزبير فقيل له: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه فقال ابن الزبير: صدق ثم تلا {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم}.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {على كل أفاك أثيم} قال: كذاب من الناس {يلقون السمع} قال: ما سمعه الشيطان ألقاه {على كل أفاك} كذاب من الناس.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {تنزل على كل أفاك أثيم} قال: الأفاك: الكذاب. وهم الكهنة تسترق الجن السمع، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإِنس. وفي قوله: {يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتسمع، ثم تنزل إلى الكهنة فتخبرهم، فتحدث الكهنة بما أنزلت به الشياطين من السمع، وتخلط الكهنة كذبًا كثيرًا، فيحدثون به الناس. فأما ما كان من سمع السماء فيكون حقًا، وأما ما خلطوا به من الكذب فيكون كذبًا.وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة قالت: سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: «إنهم ليسوا بشيء» فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحيانًا بالشيء يكون حقًا. قال: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».
|